اختر لغتك ^^

2010-05-22

معنى أن تكون أبا و معنى أن يكون لك أب..




قد يكون الكثير عاش هذا اليوم
ولكني على يقين بأن هذه التجربة مختلفة ولهذا شاركتها..

***
عصر يوم الاثنين الثالث من شهر مايو الجاري..
كان يحضر اجتماعا في مقر عمله..فجأة أظلمت الغرفة..اتجهت أنظاره والجميع إلى نوافذها الواسعة..ليروا السماء غاضبة مكفهرةً متغير لونها..بدأت صفراء ثم بسرعة خاطفة أصبحت سوداء!!
و بدأت تلك الغيوم _التي أبهجت نظر سكان المدينة صباحاً وبعثت فيهم التفاؤل بنزول المطر_ تصب المطر صباً..
أثر ارتطامها بالنوافذ وضّح أنها ليست قطرات المطر المعتادة..بل أكبر..و أخطر..
و ليزيد الوضع صعوبة فقد بدأت كريستالات ثلج صغيرة (بَرَد) تشارك المطر بالهطول بسرعة و قوة كبيرين.. فأضفى صوت وقعهما المرتفع على النوافذ مزيدا من الغرابة.. و الخوف..
أكملوا الاجتماع..و الجميع مشغول البال بما سيخلفه هذا المطر من فوضى.. وعلى تأثير هذه الفوضى عليهم وعلى عائلاتهم..وإن كانت ستعيقهم عن الوصول إلى منازلهم..
و عندما نعود إلى بطلنا..نجد أنه كالجميع باله مشغول بعائلته..أمه و أباه, إخوته و عائلاتهم..قد يكونوا خارج بيوتهم في هذا الوقت..ما طمأنه قليلاً أن موعد عودة زوجته و أولاده إلى البيت من مدارسهم قد مضى عليه وقتٌ طويل.. و بإذن الله هم في البيت آمنين من هذه العاصفة..
كل هؤلاء فكر بهم.. إلا أن ما أقلقه حقاً هو ابنته الكبرى ! فهو يعلم أنها بلا شك في الجامعة الآن و الله وحده يعلم ما الوضع عندها هناك..
ما أن انتهى الاجتماع حتى تفرق الجميع.. كل مشغول بهمه.. أما هو ، فاتصل بزوجته ليطمئن عليها و على الأولاد..
عَلِم منها أن الجميع في المنزل ما عدا ابنته الكبرى ! و أنها قد اتصلت للتو تقول بأن الفوضى عارمة عندهم في الجامعة و أنها قلقةَ من أن لا يستطيع السائق أن يصل إليها كعادته كل يوم..زاد قلقه عليها..
بعدها علم أن المطر قد أغلق كثيراً من الشوارع و أعاق حركة المرور فيها.. فلم يضع لحظة أخرى و نزل سريعا إلى سيارته في المواقف عله يصل إلى البيت قبل أن تشتد الأزمة أكثر، كم تمنى أنه قد حضر إلى العمل اليوم بسيارته المرتفعة فهي بالتأكيد أكثر قدرة على السير في مثل هذه الأحوال..إلا أنه ما زال عنده الأمل..
منسوب مياه المطر مرتفع بشكل متفاوت في الشوارع ، بعضها تستطيع السيارات عبوره و بعضها لا..
يرى تأثير العاصفة من حوله.. أشجار و نخيل اقتلعت من مكانها..واجهات محلات محطمة.. يا الله أيعقل أن كل هذا حدث بهذه السرعة..كان المطر قد بدأت تخف حدته إلا أن سيولا بدأت تجري في الشوارع بسبب انسداد المصارف.. و بينما هو كذلك اطمئن على أمه و أباه و إخوته.. و بفضل الله كان الجميع بأمان..

***
بالعادة الطريق من عمله يأخذ أقل من نصف ساعة إلا أن هذا الوقت مر كله و هو لم يقطع ثلث المسافة حتى.. فهو كلما دخل شارعاً وجده مغلقاً و السيارات عالقةً فيه.. مما يستغرقه وقتاً ليجد منفذاً إلى شارع آخر!!
و بينما كان يسير في طريقٍ ظن أنه نافذ، اتصلت هي_والقلق واضح في نبرة صوتها_أبي..السائق اتصل وقال أنه لا يستطيع الوصول! ما العمل؟
أراد أن يطمئنها فأخبرها أنه في الطريق إليها ولكنه قد يتأخر..و أنهى المكالمة بعد أن أخبرها بأن لا تقلق وأن تبقي جوالها قريبا منها حتى تسمع اتصاله عندما يصل..مما بث الأمل في قلبها أكثر..
ولكنه ما أن ترك الجوال حتى وجد نفسه محاطاً بالسيارات في شارع ارتفع فيه منسوب المياه كثيراً و بات من المستحيل أن يتحرك..نظر إلى سائقي السيارات من حوله ليرى بعضهم فضّل البقاء داخل سيارته مستمتعاً بالراديو و المكيف..والبعض خرج من سيارته عله يجد حلاً أو يحضر مساعدة..
أما هو فخطرت بباله فكرةً أخرى..ليست بالطريقة السهلة ولكنها على الأقل مضمونة..
ألا وهي أن يترك سيارته و يمشي على قدميه إلى المنزل ليحضر سيارته المرتفعة ومن ثم يذهب إلى جامعة ابنته..
حسنا قد تكون الفكرة جيدة لو أن المنزل گان أقرب من 5000 متر. أو لو على الأقل..لا قطرات مطر تنزل من السماء ولكن هذا كله لم يكن..
إلا أن ذلك لم يثن من عزيمته..
لبس سترة بدلته علها تساعد في مقاومة الجو..استودع الله سيارته وأغلقها جيدا..
وبدأ المسير..

***
المياه تكاد أن تصل إلى ركبته..و المطر رغم عدم غزارته.. فقد بلل شعره، وجهه  و سترته..
سار و سار عبر الشوارع..أحياناً يحالفه الحظ فيجد مكانا جافاً ليمشي عليه.. و أحيانا لا يجد..لكنه مستمر..الأفكار تتضارب في رأسه.. ابنته في مأزق و عليه أن يصل إليها و يخرجها منه.. زوجته في المنزل لم تعد تطيق مزيدا من القلق عليه و على ابنتها.. ما الذي سيحدث لسيارته... و أفكار أخرى كثيرة.. إلا أن الفكرة الأولى ما تلبث أن تعود لتعطيه الدفعة اللازمة ليستمر..
اشترى كوبا من القهوة من إحدى المحلات التي ما زالت مصرة أن تفتح أبوابها رغم كل شيء..
اتصل بابنته و اطمأن عليها..سألته: أبي.. أين أنت الآن؟؟ أجابها أنا ما زلت في الطريق ، لا تقلقي ، سأجرب طريقاً آخر عله يوصلني إليك..
شَعَرَتْ بالاطمئنان.. لم يخطر ببالها للحظة الطريق الذي عناه.. إلا أن مهارة أبيها في الشوارع و الحارات كانت كافية لتشعرها بذلك.. فهو سيجد شارعاً يوصله إليها قريباً بإذن الله..

***
مشى لأكثر من ساعة..و أخيراً وصل إلى المنزل.. و قد استنفدت طاقته.. تفاجأ زوجته و أولاده!! فهو لم يخبرهم بما كان ينوي فعله حتى لا يقلقوا عليه أكثر..
لم يضِع وقته..غير ملابسه و حمل مفاتيح سيارته المرتفعة.. رغم إلحاح زوجته أن يأكل شيئا و لو بسيطاً قبل أن يخرج.. فهو لم يأكل منذ الصباح.. فأخبرها بأنها دقائق و سيعود.. و أن عليه أن يسرع بإحضارها..
اتصلت الأم فوراً بابنتها تخبرها بأن تستعد لأن أباها سيصل قريباً و أنه منهك جداً لأنه اضطر للمشي في المطر ليصل إليها.. لم تفهم الموضوع جيدا إلا أنها استجابت لطلب أمها و بدأت بالاستعداد..
اتصال آخر من أباها.. ردت متلهفة..عزيزتي خمس دقائق و أصل إليك ..كوني مستعدة... سألته إن كانت تستطيع أن تحضر صديقتها لتنتظر أباها في المنزل..لم يمانع، و أقفل.. لم يخبرها بأنه منهك..أو كم عانى ليصل.. فذلك لا يهمه.. المهم أنه وصل..
ثلث ساعة أخرى و كان الجميع في المنزل "أخيراً"..
جلس الأب على الكنبة..ليريح جسمه المتعب..إلا أن باله كان مرتاحاً و متأكداً من أنه فعل الشيء الصحيح..
ابتسامة رائعة غطت وجهه عندما رأى ابنته مبتسمة و هي معهم في البيت..
آآآه كم هي غالية في قلبه..



***
بالنسبة لكم انتهت القصة.. ولكن بالنسبة لي.. فهي ليست بقصة فحسب.. بل سرداً لما حدث معي.. لأن بطلها أبي..و أنا هي الابنة !!
قصصتها عليكم استناداً على ما شهدته أنا منها و ما رواه لي عائلتي.. و كان لخيالي قسماً كبيرا في خط التفاصيل..
رويتها لكم لأريكم معاني الحب و التفاني..معنى أن تكون أبا ً..و معنى أن يكون لك أب..
أبي الذي إن أمضيت عمري لأؤدي ما فعله لي في ذلك اليوم فقط لما استطعت.. فكيف إذاً بما فعله و يفعله لي في كل يوم من حياتي.. كم أنا مقصرة في حقه!! أبي هل أستحق حقاً كل هذا الجهد و الحب و العناية؟؟
حفظك الله لأمي و لي و لإخوتي و للأمة أجمع..
و إليك أنت أبي.. أحبـــــــــــــــــــــــــك.

هناك 7 تعليقات:

غير معرف يقول...

رائــعُ هو شعــورك ..
ما أعجبني أكثر ،.. هو دافعك لكتابة عن هكذا موضوع ..
جميل جدا ، ثــابري ..

رعاكِ الله

غير معرف يقول...

يااااه ..

زهرة يا زهرة ()

الله يخلي لك أبوك ويخليك له ويحفظ أهلك أجمعين يآ رب :""

مؤثرة جداً ,'
لامست شغاف قلبي
3>

غادة

زهرة يقول...

غير معرف..
شكرا لهذه المشاعر الطيبة..

غادة..
آمين يااا رب..
هذا لإن قلبك مرهف..

ثبت الله قلبك على طاعته
3>...

آخــر الفرسـان يقول...

كلمة الأم ، أو الأب أحرف بسيطة ذات معاني كبيرة ..
حفظ الله لكم والديكم وأنار على دروب الخير خطاكم وأعاننا على برهما أو بر من بقي منهما لنا في هذه الحياة

زهرة يقول...

أبو مشاري

أقدر لك قراءة الموضوع..
عذرا على تأخر ردي و لكني لم ألحظه إلا اليوم !!
آمين.. و يحفظ لك كل من تحب يااا رب..

غير معرف يقول...

جدا رائعة يازهرتنا الغالية اليوم قرأتها وماما حدي كمان سمعتها وبتقلك الله يرضى عليكي يارب .. جدا رائعة .. استمري

ميسو دندشي

زهرة يقول...

ميسو العسل

شكراً كتير حبيبتي ، هاد من زوئك إنت و خالتو،،

سلميلي عليها كتير =)